يرى الكاتب خليل العناني أنّ الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والهادف إلى توجيه فريق الأمن القومي لدراسة تصنيف فروع معيّنة من جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية أجنبية، يجسّد واحداً من أخطر الانزلاقات السياسية وأكثرها تهوراً في ولايته الثانية، إذ يفتح الباب أمام تداعيات استراتيجية تضرب مصالح واشنطن وتزعزع استقرار الشرق الأوسط.
يشير تقرير ميدل إيست آي إلى أنّ القرار يكلّف وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسنت، بالتشاور مع المدعية العامة بام بوندي ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، بتقديم تقييم خلال ثلاثين يوماً حول إدراج فروع الإخوان في مصر والأردن ولبنان على لائحة الإرهاب، في خطوة قد تعيد تشكيل المشهد الإقليمي وتؤسس لمسار تصعيدي طويل الأمد.
خطأ قانوني وسياسي فادح
لم تظهر فكرة تصنيف الإخوان للمرة الأولى، إذ طرحت مراراً خلال العقد الماضي وفشلت بسبب وجود مسؤولين عقلانيين أدركوا حقيقة قانونية واضحة: لا تنطبق على الجماعة المعايير التشريعية اللازمة للتصنيف كمنظمة إرهابية. يفرض القانون الأميركي شروطاً ثلاثة: أن تكون المنظمة أجنبية، وأن تمارس الإرهاب أو تملك القدرة والنية لذلك، وأن تهدد أمن الولايات المتحدة أو مواطنيها.
يغيب شرطان أساسيان عن فروع الإخوان المشار إليها، فلا ترتبط أي منها بشكل موثوق بأعمال عنف إرهابية ضد المدنيين، ولا تشكل أي تهديد حقيقي سياسي أو عسكري أو اقتصادي للأمن الأميركي. ورغم ذلك، يواصل مؤيدو الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي اتهام الجماعة بالعمل كوكيل لواشنطن، في مفارقة تكشف هشاشة السرديات المتداولة حولها.
في مصر، تشكّل الجماعة حركة إصلاحية ممتدة منذ قرن، التزمت منذ سبعينيات القرن الماضي بالمشاركة السلمية، وخاضت الانتخابات وقادت النقابات المهنية وقدّمت خدمات اجتماعية للفقراء، كما لعبت دوراً كابحاً للتطرف العنيف خلال الثمانينيات والتسعينيات عبر جذب آلاف الشباب بعيداً عن القاعدة والجماعات المتشددة.
دوافع خفية وتحالفات خطرة
يحمل القرار بصمات واضحة لليمين المتطرف المحيط بترامب، حيث يدفع شخصيات مثل سيباستيان جوركا ولورا لومر باتجاه تصوير الإخوان كجزء من مؤامرة إسلامية عالمية، بينما تتلاقى هذه السردية مع مصالح أنظمة سلطوية عربية ترى في الجماعة خصماً اجتماعياً وسياسياً خطيراً.
تضغط مصر والسعودية والإمارات منذ سنوات لإخراج الجماعة من الحيز الشرعي، معتبرة الخطوة فرصة لإجهاض ما تبقى من معارضة منظمة. يأتي التوقيت بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لواشنطن، ما يعزز الشكوك حول خلفيات القرار.
من زاوية أخرى، تنظر إسرائيل إلى الإسلام السياسي كتهديد وجودي بسبب شعبيته الواسعة ومعارضته للسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. يخدم التصنيف المصالح الإسرائيلية عبر إضعاف خطاب إيديولوجي معارض، بينما تصعّد جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل حملاتها لربط الإخوان بمنظمات إسلامية داخل الولايات المتحدة، خاصة تلك التي تنشط ضد حرب غزة.
تداعيات استراتيجية مقلقة
لا يعزز تصنيف الإخوان أمن الولايات المتحدة، بل يقود نحو نتائج عكسية وخطيرة. يدخل القرار واشنطن في مواجهة مع أوسع حركة إسلامية شعبية في العالم العربي، وهي حركة تتجاوز حدود التنظيم إلى فكرة تحظى بدعم ملايين المتعاطفين.
يضعف هذا المسار الجهود الرامية لمحاربة التنظيمات الإرهابية الحقيقية كداعش والقاعدة، إذ يضرب الحركات الإسلامية المعتدلة التي نبذت العنف، ما يمنح التيارات المتطرفة فرصة لاستقطاب الشباب الغاضب ويحوّل التصنيف إلى نبوءة تحقق ذاتها.
يدفع القرار أيضاً بعض الشباب المحبط نحو التطرف، خاصة مع مشاهد استقبال واشنطن لشخصيات كانت تحمل تاريخاً جهادياً، ما يعمّق القناعة بعدم جدوى العمل السلمي. تزداد كذلك حالة انعدام الثقة داخل المجتمعات المسلمة في أميركا، خصوصاً إذا استهدفت منظمات خيرية ومدنية بذريعة مكافحة التطرف، ما يعزز الاستقطاب السياسي في ولايات حساسة انتخابياً.
يهدد التصنيف العلاقات مع قطر وتركيا، وهما شريكان استراتيجيان تستضيفان قيادات محسوبة على الإخوان في المنفى، بينما تعيش الجماعة أصلاً أضعف مراحلها التاريخية نتيجة التفكك التنظيمي والتهميش السياسي والقمع المستمر.
يمضي ترامب في مسار لا يضعف المتطرفين بل يقويهم، ولا يحمي الأمن الأميركي بل يعرّيه، ولا يجلب الاستقرار للشرق الأوسط بل يسرّع تفككه. يتجسد القرار كخطوة مضللة واستراتيجية باهظة الكلفة، قد تترك آثاراً طويلة الأمد على نفوذ واشنطن وعلاقاتها الإقليمية، وتحوّل خطأً سياسياً إلى عبء تاريخي يصعب تصحيحه.
https://www.middleeasteye.net/opinion/how-trumps-attack-muslim-brotherhood-gift-israel-far-right-extremists

